خميس بتكمنت
الخطاب الأمازيغي الذي وضع البنية الثيوقراطية للمخزن تحت المجهر، و كشف مكامن الازدواجية في تركيبته بتداخل الديني والسياسي فيه، و أظهر هيمنة حقل إمارة المؤمنين على مداخل و مخارج السلطة. الخطاب الأمازيغي الذي أعاد سؤال الثروة الوطنية و العدالة و التنمية المجالية و أعاد ورش فصل السلط الى واجهة التداول و النقاش العمومي.
الخطاب الأمازيغي الذي جادل تيار الفرانكفونيين و الاسلاميين طيلة العشرية الاولى من الالفية في ضرورة إسماء شكليات شروط الدستور الديمقراطي قبل الخوض في مضامينه في نقاش الدسترة، و الذي أعاد تعريف مفهوم الهوية الوطنية و حرره من الاغتراب الشرقي او الغربي على حد سواء و مأسسه على الذات كمنطلق و غاية.
كل هذه الاوراش النقاشية تم الخوض فيها من تشكلات تنظيمية لا تستوعب حمولة هذا النقاش و لكنها استطاعت إرتباك السلطة السياسية بمركزة النقاش و تعمقه في الجوهر و العلل المحورية للإشكاليات الرئيسية و لم يرتكز كما الآن على القشور السطحية التي يسهل توجيهها و التحكم فيها و ضبطها. وبالتالي كانت قوة خطاب الحركة الامازيغية هي انكبابها على مجادلة عقل الدولة باعتباره العلة الثابتة قصد تحديثه و ليس مجادلة الكليشيهات المتغيرة في الواجهة و المكلفين بوظيفة ادائها او استعراضها.
مؤسف ان تكون خاتمة هذا الزخم كله هي رصد حالات أنير التي لم تسجل في كنانيش الحالة المدنية و رصد أخطاء الكتابة بتيفناغ في واجهات المؤسسات العمومية أو نقد تصريح تصريحات صحفية في بين سبورت عند وصف المغرب بالعربي و اعتبار ذلك انجازا.
مؤسف حقا، أن يتحول المناضل الامازيغي من مكتسب لأدوات التحليل العلمي و ملم بالعلوم و مكوَّن فكريا و متمكن و مقارع فكري لنظريات الشمولية و داحض لعقل الإختزال و الطمس و الدوغمائية الذي ينتج تقوية ركائز السلطوية، الى مناضل أمازيغي لايت هو بحاجة فقط لقول أزول و رفع الثلاثية و تذييل أي كلام بتنميرت و أيوز.
إن ما كان يؤرق المخزن من الخطاب الامازيغي هو نقد عقل المخزن نفسه و ما يؤرق المخزن هو حمولة الخطاب الذي يحصره في الزاوية معرفيا و فكريا، و كان هذا يرعبه حقا و كانت الحركة الامازيغية فاعلة و مؤثرة حتى باشتغالها تحت مظلة الجمعيات، فالمخزن يتأثر بحمولة الخطاب و الرسالة وليس بالمؤسسات و الشكليات الظرفية التي يتم إنتاج الخطاب عبرها.
استحضر تعقيبا للاستاذ احمد الدغرني بعد قرار المحكمة الادارية في شأن تأسيس الحزب الديمقراطي الامازيغي قائلا” ما يهمني أننا انتزعنا موقف الادارة و المخزن، فهم لا يريدون التأسيس لدولة أمازيغية بمنع الحزب الامازيغي” كان قول الدغرني آنذاك موفقا، فالمناخ العام آنذاك حتم على المخزن منع تكتل سياسي امازيغي، و عندما سيجد ان النتيجة لصالحه سيدفع لتأسيسه بكل ما اوتي من امكانيات عند التيقن أن خطاب التكتل سيقوي هيمنته و يضعف هيمنة الأمازيغية و يبعدها بحضورها لا بتغييبها كما الآن، فالمخزن كائن سياسي قائم على اخضاع كل شيء لحسابات المنفعة و المصلحة، و لا تؤرقه مأسسة الأمازيغية بقدر ما يؤرقه أي خطاب مهدد لاستمرارية مهيمنة عقله .
مؤسف هذا الانجرار المقيت نحو الشكليات المظهرية و النقاشات التي تقتل قوة الخطاب الأمازيغي بتسطيحته و إنزاله لدرك الشعبوية التي تغطي تطلعات مخفية و مستترة لأطراف عدة تريد ان تكون المخزن السلطوي بأيادي أمازيغية ،و هذا مكمن الخلاف بين الامس و اليوم، فبالامس كان الخطاب الامازيغي موجها نحو غاية سلطة الامازيغية، أما اليوم يتم توجيهه قسرا لغاية أمازيغية السلطة، و شتان بين الامرين في الوسائل و الغايات و الحمولة أيضا ،ما دام الجسم الأمازيغي الآن يشتغل بكونه مؤثَّرا عليه و ليس مؤثِّرا، و ما دام مد التأثر متزايدا و حجم التأثير مغيبا.